الأحد، 24 يناير 2010

تجريدة حبيب :

تجريدة حبيب :

التجريدة والجردة في اللغة الدارجة تعني النجدة والحملة ، أما التجريدة في الفصحى فهي من التجريد وهو القشر والنزع والتعرية ، والجردة بمعنى البرذعة الخلقة والخرقة البالية والصواب أن يقال ( جريدة ) لأن الجريدة تأتي بمعنى الجماعة من الخيل التي ليس بين فرسانها ماش على رجليه .

هذا وتجريدة حبيب من أبرز القصص والحوادث التي يحفل بها تراثنا الشعبي فلقد تواترت أخبارها وتناقلت وقائعها السنة الرواة خلفاً عن سلف إذ هي تسجل وقائع صراع مرير استمر سنين طويلة بين قبيلتي كبيرتين هما ( الحرابى ، وأولاد علي ) أسفرت عن هزيمة الأخيرة وجلائها إلى أقصى حدود ليبيا الشرقية ، بعد أن بسطت نفوذها على جزء كبير من إقليم برقة الشرقي ، وسيطرت عليه فترة غير قصيرة من الزمن .

وقد أضيفت ( التجريدة ) إلى ( حبيب ) وهو اسم بطل القصة والذي كان المنقذ لقومه وعشيرته من حياة القهر والهوان وعيش المذلة والصغار .

ولتجريدة حبيب رواية راسخة لدى أهل البادية بصفة خاصة وأن الدارس لتراثنا الشعبي ليجد فيها مادة خصيبة تسترعي نظره وتغريه بمواصلة البحث والاستقصاء ، وسيلاحظ أن تجريدة حبيب في موضوعها وعناصرها تستمد أكثر حوادثها من الواقع إذ هي خالية من الإغراق في الخيالات المجنحة ، التي هي حلق بها القصاصون في قصص ( أبي زيد الهلالي والزناتي خليفة ) وان كان يعتريها بعض عناصر المبالغة وشيء من الخلط والتشويش .

ويرجح وقوع التجريدة حسب المقارنة والاستنتاج أنها حدثت في الربع الأول من القرن الثاني عشر للهجرة .. أوائل القرن الثامن عشر للميلاد أي في أواخر العهد العثماني وقبل بداية العهد القرمانلي الذي لم يتوطد في برقة إلا في سنة 1133هـ ، 1720 م وذلك بعد أن تولى أحمد باشا الحكم بتسع سنين .

هذا وقبل أن نسرد أحداث ( تجريدة حبيب ) فأننا نمهد لها بنبذة عن ( الحرابى ، وأولاد علي ) فنقول : ينتسب كل من الحرابى وأولاد علي إلى السعادى ، نسبة إلى سعدة الزناتية بنت الزناتي خليفة التي تزوجها ( الذئب أبو الليل ) ، فولدت له أبناؤه ( برغوث وعقَّار وسلام ) وهؤلاء هم أصول قبائل السعادى التي تتفرع إلى كثير من البطون والعشائر ( فالحرابى ينتسبون إلى حرب أو محارب ) و( أولاد علي ينتسبون إلى غلي ) وهما أولاد العقَّار بن الذئب أبي الليل زعيم من رؤوس بني سليم الذين استوطنوا مابين سرت غرباً وحدود الإسكندرية شرقاً واستوطن إخوانهم بني هلال ناحية الغرب من النواحي طرابلس وتونس وهذا ما أثبتته السير وانساب القبائل ، وهو يدل على ان قبائل ( السعادى ) في برقة تنتمي ، إلى بني سليم دون سواهم والواقع أن كثيراً منها ينتمي إلى ( الهلاليين ) أي من قبائل ( هلال بن عامر بن صعصعة ) وهذا له ما يبرره من عدة وجوه .. الأول : أن القصص والأشعار التي بتناقلها أفراد هذه القبائل تدور كلها حول ( أبي زيد الهلالي ) وأبناء أخته ( شيحة ) مثل ( مرعي وذياب ويحيى ويونس وغانم ) وغيرهم من أبطال القصص الهلالية المعروفة .. والثاني هو أن جماعات من بني هلال قد استوطنت إقليم برقة أيام العبيديين ولها وقائع وحروب مع بعض القبائل المقيمة ببرقة من ( لواته وزناته ومزاته ) .حيث بقي ذكر أن فروع هاتين القبيلتين بصفة عامة ليست كلها من سلالة بني هلال وبني سليم بل تضم سلالات بربرية مثل لواته ومزاته وزناته ، التي سماها ابن خلدون والتي كانت تعمر هذه البقاع .

نعود إلى قصة التجريدة .. فالحروب بين الحرابى وأولاد علي في تلك الفترة ترجع كما يذكر بعض الباحثين إلى ثارات قديمة نشأت بين الفريقين وقد انتصر ( الحرابى ) على أولاد علي وطردوهم من الجبل الأخضر وأجلوهم إلى بقاع مقفرة ومناطق مجدبة في أكثر السنين ، فأخذ هولاء يعدون العدة ويرتقبون الفرصة التي تمكنهم من استرجاع البقاع التي طردوا منها ، والتي تجود بالخصب والنماء فلما تمت لهم الغلبة توغلوا حتى ( رأس التراب ) الواقع غربي ( شحات ) بنحو عشرة كيلومترات أي أنهم بسطوا نفوذهم على ما يقرب من نصف مساحة الجبل الأخضر زيادة على المناطق الشرقية الشاسعة .
وما فتئ ( الحرابى ) يقاومون سيطرة ( أولاد علي ) ويتربصون بهم الدوائر ، وتقوم بين الفريقين مناوشات ومعارك وكثيراً ما يضطر ( الحرابى ) إلى الرضوخ والاستسلام بسبب تفرقهم ووقوف بعض قبائلهم موقف الحياد ثم ظهر رجل اجتمعت له صفات الزعامة بين قومه وعشيرته ، ذلك هو الشيخ ( عبد المولى الأبح ) الذي تبوأ مكان الصدارة وأصبح صاحب الكلمة المسموعة والرأي المتبع عند أكثر قبائل ( الحرابى ) ومن أبناء ( الشيخ عبد المولى ) كان حبيب بطل التجريدة .

هذا وتجئ البوادر الأولى ( لتجريدة حبيب ) بذكر واقعة اقتحم فيها الحرابى منتجعاً لأولاد علي بالجبل الأخضر قبيل الفجر ذات يوم وقتلوا كل من سدت في وجهة المنافذ للهرب من الرجال وغنموا ماشيتهم ولم يبقى بالمنتجع غير عدد من الأطفال تبنى الشيخ ( عبد المولى الأبح ) أحدهم واسمه ( النعيعيس ) وجعله كواحد من أبنائه .

نشأ النعيعيس هذا ، وشب في بيت ( الشيخ عبد المولى ) لكنه لم ينس ما حل بقومه وأهله من تشريد ، إذ انه كان في سن المراهقة عند غارة ( الحرابى ) على منتجع قبيلته ، وأضمر فـي نفسه الانتقام وانتهز فرصة في يوم خلا فيه بأحد أبناء ( الشيخ عبد المولى ) فقتلـه ، ووارى جثته في التراب وأخفى لباسه الملطخ بالدماء داخل برذعة حمار ، ولم يخطر ببال الشيخ عبد المولى ولا احد من عشيرته أن النعيعيس يقتل أخاه ، وفقد الأمل في العثور على ابن الشيـخ عبد المولى فقد يكون ضل طريق عودته إلى المنتجع وتاه وسط الشعاب والوديان فافترســه ذئب أو ضبع غير أن الجريمة المدبرة ما لبثت أن ظهرت معالمها واضحة للعيان فقد بـرزت ملابس القتيل من خرق في البرذعة صدفة من غير قصد ، وعرف الشيخ عبد المولــى أن النعيعيس هو قاتل ابنه ولكنه لم يقتص منه وأبت له شهامته أن يسفك له دماً فقد تبناه وعـاش فيحمايته ، وإنما طلب منه أن يرحل بعيداً عن بيته ودياره ، حتى لا يتعرض للقتل من قبـل أحد أخوة القتيل أو من أبناء قبيلته .
غادر ( النعيعيس ) بيت ( الشيخ عبد المولى الأبح ) ونفسه لا تزال تحتدم غيظاً وحنقاً على الشيخ عبد المولى وعشيرته ، لم يهدئ من ثائرتها قتله لابن الشيخ عبد المولى ولا شهامة أب القتيل في الصفح عنه وصمم في هذه المرة على الانتقام من الشيخ عبد المولى نفسه ، إذ هو أكبر رؤوس ( الحرابى ) وصاحب الرأي والتدبير وبدأ في تنفيذ خطته بالاتفاق مع جماعة من شيوخ ( أولاد علي ) فوشوا بالشيخ عبد المولى عند حاكم درنة في ذلك الوقت ( الذي لم يذكر رواة التجريدة اسمه ولا أصله ويجوز أن يكون تركياً من بقايا حكام العهد العثماني الأول ) وهو بدوره استدعى الشيخ عبد المولى وقبض عليه وسجنه مكبلاً بالحديد بجوار سور المدينة ، وتقول الرواية أن ولدين من أبناء الشيخ عبد المولى تمكنا من إنقاذ والدهما إذ حفرا نفقاً سرياً نفذا منه إلى السجن ووجدا اباهما في ثقل من الحديد لم يستطيعا نزعه ، فاحضرا ثلاثة من الخيل وحملا أباهما على احديهما ووضعا أحد ثقلي الحديد على حصان عن يمينه والثقل الأخر على حصان عن يساره وتسلل الجميع لائذين بالفرار .

غير أن نبأ فرارهم انكشف قد انكشف ، وخرج القوم وفي مقدمتهم ( النعيعيس ) يقتفون أثرهم ، وما لبثوا أن لاحت لهم ثلاثة من الخيل ، تجد في سيرها غربي مدينة درنه فلحقوا بهم مسرعين .

ولما علم الشيخ عبد المولى أن القوم سيدركونه لا محالة ، طلب من ولديه أن ينزلاه ويخفياه بين أشجار الغابة ، ويفرا من وجوه اللاحقين ، ولاحظ النعيعيس سرعة انطلاق الخيل المفاجئة ، فأخبر الجماعة بأن الخيل قد ألقت الحمل الذي كانت تحمله ، وأن الحمل الملقى هو الشيخ عبد المولى بثقل قيوده ، وانطلقت الجماعة تبحث عن الشيخ عبد المولى ، وعندما رأي الشيخ عبد المولى النعيعيس أطمأن إليه وناداه معتقداً أنه سيرعى الجميل ، ويجزي الإحسان بالإحسان ، ولكن النعيعيس حين سمع نداء الشيخ عبد المولى ورآه مكبلاً بالحدي صاح في الجماعة أن يأخذوه أسيراً إلى قصر الحاكم بدرنه ، وما أ، أحضر الشيخ عبد المولى أمام الحاكم حتى أمر بقتله في الحال ، فقطعت رأسه ونصبت أمام القصر عدة أيام ، ثم أعيدت إلى الجثة التي دفنت بجانب سور المدينة كما تذكر الرواية .

وقد كان لمقتل ( الشيخ عبد المولى ) أثره البالغ في نفوس ( الحرابى ) إذ فقدوا بموته أعظم شيوخهم نفوذاً ورأياً وشهامة .
وتمضي الرواية قائلة : وكان من بين أبناء ( الشيخ عبد المولى ) ابن اسمه ( حبيب ) نشأ لصاً فاتكاً ، يسطو على المواشي ويعترض طريق المارة ، غير أنه حين سمع نعي أبيه فكر في مصيره ، وأيقن أن الأعداء سيقتلونه لا محالة ، ومن هنا أقلع عن مسلكه الخاطئ ، ليسلك طريق الجد ، ويتأهب للثأر لأبيه ولكرامة قومه وعشيرته .

وسمع عنه شيوخ ( أولاد علي ) فبعثوا جماعة من الفرسان يتعقبونه ، ليقتلوه ويأتمنوا جانبه ، ولما علم ( حبيب ) بقدومهم ، وإنهم جادون في البحث عنه ، اتخذ لنفسه مكاناً قذراً متظاهراً بالجنون والبله ، وحين عثروا عليه عرفوه ولكنهم استقذروا منه ، ولما سلموا عليه لم يرد السلام ولم يأبه بهم ، بل بقي جالساً في مكانه ، يأكل العشب بين الأقذار ، فقال بعضهم لبعض ، إن هذا أبله وعيب أن يقال عنا إن قتلنا شخصاً معتوهاً وتركوه جالساً في مكانه ، وقفلوا راجعين .

وبدأ حبيب يفكر في تدبير وسيلة للأخذ بثأر أبيه ، ورفع الظلم عن قومه فالتجأ إلى أحد أصدقاء والده ، الذي يدعى الشيخ ( يونس القرّي ) شيخ قبيلة ( العوامّة ) في ذلك الوقت ، يستشيره ويسترشد برأيه ، فأشار عليه الشيخ ( يونس القري ) أن يسافر إلى حاكم طرابلس ، ويشكو إليه ما حل بقومه من ضيم واضطهاد ، وأن يلتمس منه مساندته في دفع الظلم عن أهله وعشيرته ، وأعطاه قدراً كبيراً من الذهب ، يستعين به على تحقيق هذا الغرض .

سافر حبيب قاصدا طرابلس وهي رحلة طويلة وشاقة محفوفة بالمخاطر ، ويفهم من الرواية أن ( حبيب ) سافر في رحلته إلى طرابلس ممتطياً فرسه ، ولكن يبعد أن يسلك تلك القفار الشاسعة وحده ، ويطوي تلك الصحراء التي يظل فيها القطا من غير زار ولا دليل ، ولابد أنه سافر في رفقة أحدى القوافل ، التي كانت تسلك الصحراء الغربية للتجارة .

ومرّ حبيب في طريق سفره بمدينة ( بنغازي ) ، وتقول الرواية : أنه لما وصل لبنغازي احتاج إلى نعل لفرسه ، ومكث يومين يتردد على أحد الحدادين هناك ، يجيء في الصباح ويطل واقفاً حتى الظهيرة ، وحين سأله الحداد عن حاجته أجابه : بأن فرسه حافية وليس لديه نقود يدفعها ثمناً لتنعيلها وسخر منه الحداد وقال متهكماً : أتريد تنعيلاً كاملاً أم نصف تنعيل ؟ ولكن حبيب رد عليه ببيتين من الشعر الشعبي شاكراً حسن صنيعه مادحاً سعة جوده وكرمه فقال :

بالصدر مانقرضوك أو بالقفل نمشي رضايا

وانت كيف معطن العد اللي يجوك يمشوا روايا



( الصدر هو مقدم النعل وفي اصطلاح الليبيين هو نعل الرجلين الأماميتين للخيل ، والقفل هو نعل أرجلها الأربعة .. ومعطن العد هو البئر الذي له مادة جارية .. فيقول حبيب : لا نذمك بصنع الصدر وبالقفل نرجع راضيين ، وأنت مثل بئر غزيرة الماء يرتوي منها كل وارد .. فقد شبهه بالبئر الغزيرة الماء في الجود والعطاء .)

فأثار المدح النخوة في نفس الحداد ، ونعل له فرسه بدون ثمن ، واستأنف حبيب سفره حتى بلغ مدينة ( طرابلس ) وهناك حضر أمام حاكمها واسمه ( محمود ) كما تقول الرواية ، وشرح له ما جرى له ولقومه وانشده بيتين من الشعر هما :



نا بوي يا بي محمود مقتول ظلم ما له جناية

مير وطن لكم محسود .. دلوه ناساً رعايا



( يقول أن أبي يا محمود بي قتل ظلما من غير ذنب جناه ، أنه أمير في وطنه وبين قومه ولكنه كان محسوداً تواطأ على قتله أناس رعاع . )

فرق له حاكم طرابلس ووعده بنصرته وأهدى له ( خاتم المشيخة ) وهي من التقاليد التي كان يتبعها الحكام والولاة في تعيين شيخ لقبيلة أو رئيس أو زعيم استماله لجانبه ومصانعة لقومه وعشيرته أو يمنحوه برنساً من الجوخ ( الملف ) يسمى ( برنوس الشوخة ) أو يعطونه ختماً يسمى ( طابع الشوخة ) ، ومن الأهازيج الشعبية التي كان يرددها ويتغنى بها الناس في تمجيد قبائلهم وعشارئرهم :



والشوخة والطابع لنا .. ساس عقرّ نحنا مازلنا



( ومعناه السيادة لنا واطبعها ونحن لا زلنا ركناً متيناً .)

وخيّر ( محمود بي ) حبيباً أن تكون النجدة بحرية أو برية فاختار حبيب الثانية وجهز له حاكم طرابلس جيشاً كبيراً معظم رجاله من أبناء ( تاجوراء ومصراته وزليتن ) .

نهض الجيش وفي مقدمته ( حبيب ) متجهاً نحو الشق الشرقي يطوي المسافات ويجتاز الصحراء ، لما أصبح على مسافة غير بعيدة من المكان المقصود بادر ( حبيب ) وسبق الجيش إلى مضارب ( أولاد علي ) بالجبل الأخضر وتسلل متنكراً في زي سائل يستجدي الإحسان ويطوف البيوت حتى وصل إلى بيت الشيخ ( يونس القرّي ) صديق والده وتعارف الاثنان ، وبالغ حبيب في إخفاء شخصه خوفاً على الشيخ يونس القرّي أن يلحقه أذى ودار بين الاثنين حوار في أبيات من الشعر (( وهذا الحديث مذكور في ( السبك الحديث في تاريخ برقة القديم ) تأليف الشيخ السنوسي محمد الغزالي وقد دارت بينهما محاورة شعرية فيما يتطلبه من الاحتياط ورسم الخطة السليمة لتنفيذ الهجوم )) حيث حددا الوقت والمكان المناسبين لهجوم الجيش القادم وغادر ( الشيخ يونس القرّي ) مضارب ( أولاد علي ) بأهله وإبله قبل حلول موعد الهجوم وما أن حلت الليلة الموعودة حتى كان جيش النجدة ( التجريدة ) على أهبة الغارة والهجوم فلم يشعر القوم إلا بسنابك الخيل تقتحم منتجعاتهم قبل طلوع الفجر وعجزوا عن المقاومة ولم يجدوا وسيلة إلا للفرار وتوسطت خيول الجيش المهاجم جموع ( أولاد علي ) تقتل وتأسر من انسد في وجوههم طريق الخلاص وتلاحق الفارين وبذلك تم إجلاء قبائل ( أولاد علي ) عن جميع ما استولوا عليه من ارض وديار وتقهقروا إلى ما وراء العقبة الكبرى ( حجاج السلوم ) غير شراذم قليلة اعتصمت ببعض الجهات القصية .
لم يبق أمام حبيب بعد هذه الهزيمة الساحقة التي لحقت بأعدائه إلا أمنية واحدة هي العثور على ( النعيعيس ) حياً أو ميتاً وقد وعد من ياتيه بإنه سيصبح شيخ قبائل ( الحرابى ) فكان الحائز على هذا الشرف هو ( غيث ) أخو ( حبيب ) الذي تمكن من قتل ( النعيعيس ) وحز رأسه وحمله في مخلاة فرسه وحين رمى به أمام أخيه ( حبيب ) قام هذا وعانقه وقدم إليه ( ختم المشيخة ) الذي جاء به من ( طرابلس ) وبذلك انحصرت المشيخة في ( غيث ) وذريته من بعده ، كما يقول رواة التجريدة .

أما رجال النجدة من أبناء ( تاجوراء ومصراته وزليتن ) فتذكر الرواية أن شيوخهم ورؤسائهم طلبوا من ( حبيب ) بعد هزيمة ( أولاد علي ) وإجلائهم عن هذه البقاع أن يمنحهم مدينة ( درنه ) تكون لهم سكناً ومستقراً ، ولبى ( حبيب ) طلبهم وزادهم أراض مجاورة لموقع المدينة عينها لهم وعقد مجلساً ضم زعماء الجانبين وحرروا وثيقة على رق ( جلد الغزال )وعينوا فيها الحدود والجهات التي تنتمي إليها ملكيتهم لهذه النواحي .

استوطن أبناء ( تاجوراء ومصراته وزليتن ) مدينة ( درنه ) واستقدموا إليها أسرهم وعائلاتهم واستقروا بجانب إخوانهم من ( العائلات الأندلسية ) وغيرهم ممن سبقهم على الاستقرار بهذه المدينة وبذلك ازداد عدد سكان مدينة درنه وازداد عمرانها كما كثرت حدائق فواكهها واتسعت مساحات حقولها حتى إن بعض القادمين الجدد قد اتخذوا ( السواني ) المسماة عندا ( بئر الجبّاد ) لري الأراضي التي استصلحوها وهي وسائل إلي المعروفة عندهم والتي لا تزال باقية نراها في كثير من حقول الزراعة في الشق الغربي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق